الاثنين، ديسمبر 31، 2018

حصاد عام 2018 عام من الفشل والتراجع للمسرح المصري



منذ بداية العقد الأول للقرن الحادي والعشرين صعد في المسرح المصري وبالتدريج تيار يحاول استعادة محاولة دمج المسرح بالقضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤرق المجتمع المصري، وذلك في ظل متغيرات محلية وإقليمية وعالمية كبرى أدت في بداية التسعينات إلى تحطيم الشعور الجمعي واتجاه المسرح (مثل بقية الفنون) إلى التركيز على حالة اغتراب الذات عن العالم، حيث أصبحت الذات المغتربة التي تحاول التملص من سيطرة العالم والتخلص من كل ما يتعلق به من قضايا أو أزمات، ولعل ذلك التيار كان انعكاسا مباشرا لحالة اليأس التاريخي الكبير الذي صاحب نهاية الحكايات الكبرى التي كان المجتمع المصري يعلق عليها الكثير من الآمال مثل الاشتراكية والقومية العربية والقومية المصرية... إلخ. حيث حلت التسعينات وهي تحمل نهاية كل حكاية كبرى وكل آيديولوجيا عامة يتجمع حولها الملايين أو تعبر عن رؤية الطبقة المهيمنة على الدولة.
لكن بداية الألفية أتت وهي تحمل الكثير من الآمال حيث قادت الانتفاضة الفلسطينية الشارع المصري على استعادة علاقته بالآيديولوجيات الكبرى التي كانت قد وصلت إلى حدود الخمول في نهاية التسعينات، وهو ما قاد بالإضافة إلى المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية إلى صعود قوى للحراك الاجتماعي ضد الخطاب المهيمن الذي كانت الدولة ترعاه وتدفعه والذي كان يقوم على تثبيت الأوضاع ونشر حالة من اليأس المعمم من إمكانية التغيير أو البحث عن حلول وخيارات بديلة لما تطرحه.
من هنا صعد الحراك الاجتماعي والسياسي الذي وصل إلى قمته مع ثورة يناير 2011 حاملا معه مسرح أكثر جرأة وشجاعة على طرح أفكار ومناقشة موضوعات سياسية لكن ومع الهزيمة التي لحقت بالمشروع السياسي وما صاحبها من حالة انكماش اجتماعي وتراجع للحريات العامة في مقابل المقايضة الاجتماعية للدولة على استعادة الاستقرار والأمن الاجتماعي في مقابل عودة الدولة لهيمنتها التامة على الفضاء العام.
من هنا بدأت حالة تراجع الفن المسرحي عن القيام بالأدوار التحريضية والتأملية للواقع السياسي والاجتماعي لكن حالة التراجع أو التبدد (كما أطلق عليها الناقد والصديق عبد الناصر حنفي) لم تحدث بشكل كامل ومفاجئ بل مرت بحالة تبدد تدريجي لم ينعكس في المسرح المصري في صورة عودة لصعود الذات بوصفها في مقابل للعالم أو بديل له كما كان الحال في التسعينات بل غرق المسرح في هزيمة أكثر عنفا حيث لم تمر عمليات التبدد تلك بمسارات طبيعية بل أجبرت على الاختفاء بشكل قسري وعنيف عبر انتهاكات واضحة وقوية لحرية التعبير وصلت لقمتها مع قضية عرض «سليمان خاطر» التي تفجرت في مارس من هذا العام وتصاعدت مع تحويل عدد من المشاركين في العرض للمحاكمة.
ربما كان عام 2018 هو عام قضية سليمان خاطر بامتياز حيث أثرت تلك القضية بقوة وعنف على حالة المسرح وعلاقة الرقابة (بمستوياتها المختلفة) بالمسرح إلى حدود غير مسبوقة بل وكارثية يمكن أن تجعل من 2018 هو لحظة فاصلة في تاريخ المسرح المصري حيث شهد عددا من التطورات والقرارات والقضايا والبلاغات التي قامت بتفتيت المسرح وخفضت من سقف الحريات لحدود الإمحاء تقريبا حيث ساهمت كل الجهات الإنتاجية في إغلاق مساحات حرية التعبير بقوة سواء عبر محاولة المشاركة في الحملات الدعائية للدولة أو استجابة للضغوط الرقابية والأمنية التي وصلت لقمتها وبمعدلات صعود قوية لم تزل مستمرة حتى اليوم.
بالطبع، فإن تلك الأوضاع تجعل من تجارب مثل “اضحك لما تموت” للكاتب لينين الرملي والمخرج عصام السيد أو تجربة “هدوء نسبي” للمخرج والسينوغراف عمر المعتز بالله، تجارب ناتئة وغير قابلة للاستعادة خلال العام القادم في أفضل الحالات.
قد يبدو ذلك التآكل والتراجع واضحا يوما بعد يوم في شروط الرقابة على المصنفات الفنية وتعقيدات نظام حماية حقوق الإبداعية وخيارات الجهات الإنتاجية وتوجهاتها، وأخيرا (وهو الأخطر والأكثر بشاعة) خيارات المبدعين ذاتهم.
إن عام 2018 ربما كان أحد أسوأ أعوام المسرح المصري خلال تاريخه الطويل فهو عام تأسيس الرعب وهو ما انعكس في كافة مجالات الحركة المسرحية، ولعل نجاح عرض أطفال في حيازة أكبر جائزة مسرحية في مصر (جائزة المهرجان القومي للمسرح) يمكن أن تكون مؤشرا على حالة التراجع الكبير ليس بسبب وجود ضغوط على اللجنة أو ما شابه (وهو أمر مستبعد بالطبع) ولكن بسبب حالة التراجع العام للظاهرة المسرحية للحد الذي يجعل من عرض أطفال معتمد بشكل كامل على مرجعية أمريكية هو أكثر العروض اتساقا وتكاملا خلال عام كامل.
ربما سيظل المسرح المصري يعاني لسنوات من الآثار المدمرة لصعود الرقابة (بكل أشكالها) التي وصلت لكافة مستويات الإنتاج حيث أصبحت عروض الهواة والمحترفين تتعرض لنفس الضغوط الرقابية وبشكل غاية في العنف في بعض الأحيان، ولكن تلك الآثار المدمرة لن ينعكس آثارها على الفنانين المسرحيين فحسب للأسف بل إن تراجع سقف الحريات العامة وحرية التعبير سوف يؤدي بالمقابل إلى توسع قاعدة الأفكار الرجعية والدينية المتشددة نتيجة إجبار الفنانين على التخلي عن أدوارهم في توسعة مجال النقاش العام وإصرار بعض أطراف الدولة على غلق الفضاء العام أمام الثقافة لصالح التيارات الدينية المتشددة والقوى الأكثر رجعية التي تحظى بحرية الحركة نتيجة عملها خارج سياقات سيطرة الدولة.
الأكثر إثارة للرعب أن عام 2018 لن يحتفظ طويلا بلقب أكثر أعوام المسرح المصري فشلا في ظل تنامي مساحات القمع والرقابة والمراقبة. إننا أمام واقع جديد يتشكل بسرعة والتعافي منه لن يكون بسهولة فتأسيس عالم المراقبة أمر يمكن تحقيقه خلال عام واحد كما حدث في عام 2018 لكن التخلص منه أمر يحتاج لسنوات من النضال القانوني والفني والثقافي لاستعادة الحريات وشجاعة المبدع وثقة المتفرج.

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...