الأربعاء، مارس 02، 2016

من القلب للقلب.. رحلة لعالم الأطفال السعيد

-   
في العادة ما تكتسب الأعمال الدرامية جزء من معناها وقيمتها من شبكة العلاقات التي تنتجها فأسم المؤلف وعنوان النص و النجوم المشاركين في أنتاج العمل من العناصر المؤثرة في تحديد مجالات تأويل العرض وكيفية أستقباله و نوعية متلقيه و مرجعياته .. الخ .تماماً كما يؤثر في عملية التلقي للمنتج الفني تاريخ أنتاج العمل المسرحي و مكان تقديمه.
وربما لذلك كله اصبح من الممكن لنص عرض " من القلب للقلب" أن يجد طريقه إلي خشبة المسرح القومي رغم طبيعة النص - الموجه بالأساس للطفل -  الهادف لغرس مجموعة من القيم و الأخلاقيات بإسلوب رمزي من خلال خط درامي بسيط يعتمد على التنقل بين المواقف والشخصيات المتعددة التي يقابلها الأمير في رحلته بين الكواكب .. فنص "من القلب للقلب" يعود إلي مسرحة الشاعر الكبير فؤاد حداد  لرواية الأمير الصغير لأنطوان دو سانت إكزوبيرى ، وهو ما يهب للنص تلك القيمة التاريخية التي جعلته مؤهلاً للصعود إلي خشبة المسرح القومي عبر عرض المخرج رشدي الشامي ومن بطولة أحمد كمال، عهدي صادق، أحمد حداد , لانا مشتاق، ناصر شاهين , ياسمين سمير، هالة مرزوق، أحمد سمير عامر، عادل رأفت، على كمالو , ميدرونا سليم 
أن ذلك الحضور لفؤاد حداد وأشعاره التي هيمنت على الفضاء الدرامي و المسرحي بإبقاعها القوي و المميز سواء عبر الأداء التمثيلي أو عبر  التجسيد الموسيقي (لفرقة اسكندريلا) التي أكدت على حضور حداد  و هيمنتها على فضاء العرض من خلال تواجد افرادها على مستويا متنوعة بأعلى المسرح .
ولكن من ناحية أخرى فإن العرض حاول أن يحقق قدر من التواصل مع الطبيعة الخيالية المميزة للنص عبر الصورة المسرحية التي ساهم في أنتاجها كل من مصمم الديكور : محمود صبرى ومصممتي الملابس : سهيلة و نوران  ، حيث لجاء مصممي الصورة المسرحية إلي تخليق تنوع لوني كبير في أنتاجهم لعالم العرض مع المحافظة على الطبيعة البسيطة والمباشرة التي تميز النص الذي ينطلق من هيمنة الراوي (الطيار/ أحمد كمال) على الفضاء و امتلاكه له له من خلال أستدعائه للشخصيات والحكايات حيث يمكن المقابله بسهولة بين الطبيعة الطلونية المميزة لعالم الراوي (الملابس القاتمة و ألوان الصحراء) في مقابل ذلك التنوع اللوني الكبير لعالم الحكاية المحاصر عادتاً في مساحة محدودة و محددة من فضاء المسرح .
أن ذلك التنوع اللوني و ما أرتبط به من طبيعة أدائية مؤسلبة للشخصيات الدرامية التي يلاقيها (الأمير/  أحمد حداد) أضفي جزء من هوية العرض وطبيعة متلقيه المفترض و هو مرحلة عمرية مختلفة إلي حد كبير عن متلقي المسرح القومي لكن تلك المفارقة تقل حدتها مع هيمنة وحضور "فؤاد حداد كما سلفت الإشارة .
أن ذلك الرهان للمخرج "رشدي الشامي" على أن تقوم موسيقي حازم شاهين وفرقة أسكندريلا وأيقاعات أشعار فؤاد حداد بضفاء مستوي تلقي للعرض - بمساعدة التنوع اللوني و الأسلبة الدائية -  يتناسب مع المتلقين البالغين و يستفيد من الفق التاويلي الذي يمكن ان يفتحه حضور فرقة أسكندريلا بموسيقاها وما تطرحه من رؤى للعالم و للواقع ، ولكن في النهاية ربما لم يكن ذلك الرهان ناجحاً إلي حد بعيد حيث ظلت الأجواء الخاصة بعالم الرواية الأصلية هي المهيمنة حتى مع عمليات التأكيد المتعددة و الكثيفة  حول مقولة العرض المركزية التي يتم تكرارها كثيراُ في الجزء الأخير من العرض و التي تنادي بالعودة للقلب الهادي لطريق النجاة و الحب بعيداً عن المنطق العقلي الجاف الذي يفشل المرة تلو المرة في تحقيق الوصول إلي الخلاص أو المعرفة ، فرغم ما يمكن ان يقدمه ذلك الطرح  فإن العرض يظل محاصراً في طبيعة التوجه إلي مرحلة عمرية بعينها ربما لا تمثل اياً من الشرائح المستهدفة لعروض فرقة المسرح القومي ، وهو ما يجعل من الطبيعي أن تتجلى الأزمة الحقيقية للعرض ليست في ما يقدمه – برغم ازمة الإيقاع التي تتجلى على أكثر من مستوي بالعرض- وأنما في علاقته مع المسرح القومي ، فربما كان من الطبيعي بل ومن الأفضل أن يتم تقديم العرض على خشبة مسرح القومي للطفل الذي يتوجه لمراحل عمرية يمكن أن تتفاعل بشكل أكثر إيجابية مع العرض من ناحية كما يمكن أن يكون العرض أكثر نجاحاً في التواصل معهم خصوصاً مع حضور لغة فؤاد حداد .
في النهاية فإن عرض "من القلب للقلب " لنوعية من العروض التي تكتسب جزء كبير من قيمتها و حضورها ليس مما تقدمه أو تطرحه من تفاعل جمالي مع الواقع و أزماته بقدر ما تستمد قيمتها من شبكة العلاقات التي تشكل افق التوقع ، فالعرض يكتسب قيمته بالساس من ذذلك الحضور الضمني و الغائب لخطاب القوى التقدمية الثوري و المناهض للقوى المحافظة والتي حاول العرض التاكيد على حضورها الخافت من خلال الأنماط التي قدمها لساكني الكواكب (الملك ، عالم الجغرافيا، الوقاد ، المتباهي .. الخ) ، لكن في النهاية يظل ذلك الحضور افتراضياً و غير ممكن لأن ما يطرحه العرض في النهاية هو تصور عاطفي واحادي للعالم .

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...